تُبنى العلاقة بين المريض والطبيب على الثقة المطلقة، فالطبيب مؤتمن على أغلى ما يملك الإنسان: صحته وحياته. ولكن، الطب ليس علماً حسابياً دقيقاً، وقد تحدث نتائج غير مرغوبة. هنا يبرز السؤال الجوهري: متى نكون أمام قضاء وقدر، ومتى نكون أمام “خطأ طبي” يستوجب المحاسبة والتعويض؟
- أولاً: الخيط الرفيع.. الفرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات
- ثانياً: الإجراءات العملية لرفع الدعوى (خطوة بخطوة)
- الخطوة 1: تأمين الملف الطبي (أهم خطوة)
- الخطوة 2: اختيار الطريق القانوني
- الخطوة 3: العرض على “اللجنة الفنية العليا”
- ثالثاً: التعويضات.. ماذا يحق لك أن تطلب؟
- رابعاً: دور المحامي في إنجاح القضية
- خامساً: أسئلة شائعة (FAQ) حول القانون الأردني
في الأردن، أحدث “قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018” نقلة نوعية في تنظيم هذه القضايا، حيث وضع حداً للفوضى وحدد بوضوح حقوق المريض وحماية الطبيب في آن واحد.
إليك التفصيل الكامل للإجراءات القانونية والتعويضات.
أولاً: الخيط الرفيع.. الفرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات
قبل التوجه للمحكمة، يجب أن تفهم الفرق الجوهري الذي سيحدد مصير قضيتك:
1. الخطأ الطبي (Medical Error)
هو ما يعاقب عليه القانون، ويتحقق إذا قام الطبيب بفعل (أو امتنع عن فعل) خالف فيه الأصول العلمية المتعارف عليهها، مثل:
- الإهمال أو قلة الاحتراز (نسيان أدوات جراحية، عدم تعقيم، تشخيص متسرع دون فحوصات).
- الجهل بأمور فنية يفترض بطبيب في تخصصه أن يعلمها.
- إجراء عمليات تجريبية أو غير معتمدة طبياً.
2. المضاعفات الطبية (Complications)
هي نتائج سلبية محتملة الحدوث ومذكورة في الكتب الطبية، قد تحدث حتى لو بذل الطبيب أقصى درجات العناية (مثل حدوث نزيف بسيط متوقع، أو التهاب رغم التعقيم). في هذه الحالة، لا يتحمل الطبيب المسؤولية ولا يُحكم بالتعويض، إلا إذا ثبت أنه أهمل في علاج هذه المضاعفات بعد حدوثها.
ثانياً: الإجراءات العملية لرفع الدعوى (خطوة بخطوة)
إذا كنت تعتقد بوجود خطأ طبي، فالخطوات في القانون الأردني تسير كالتالي:
الخطوة 1: تأمين الملف الطبي (أهم خطوة)
القاعدة الذهبية تقول: “بدون ملف طبي، لا توجد قضية”. قبل إثارة أي جلببة ، يجب الحصول على نسخة مصدقة من ملف المريض (التقارير، الفحوصات، صور الأشعة، ملاحظات التمريض). القانون يلزم المستشفى بتسليمك هذه النسخ.
الخطوة 2: اختيار الطريق القانوني
لديك في الأردن مساران:
- المسار الجزائي (المدعي العام): يُلجأ إليه في حالات الوفاة أو العاهة المستديمة، والهدف منه معاقبة الطبيب (الحبس أو الغرامة).
- المسار المدني (المحكمة النظامية): يُلجأ إليه للمطالبة بالتعويض المالي فقط.
الخطوة 3: العرض على “اللجنة الفنية العليا”
هذه هي النقطة الفاصلة في القانون الأردني الجديد. القاضي ليس طبيباً، لذلك:
- تقوم المحكمة أو المدعي العام بإحالة الملف إلى “اللجنة الفنية العليا للمسؤولية الطبية” (تابعة لوزارة الصصحة ونقابة الأطباء).
- تدرس اللجنة الملف وتقرر: هل ما حدث خطأ طبي أم مضاعفات؟
- يعتبر تقرير هذه اللجنة هو الدليل الأقوى الذي يعتمد عليه القاضي في حكمه.
ثالثاً: التعويضات.. ماذا يحق لك أن تطلب؟
إذا أثبتت اللجنة وقوع الخطأ الطبي، تحكم المحكمة بالتعويض بناءً على مبدأ “جبر الضرر”. تشمل التعويضات في الأردن:
التعويض المادي:
- استرداد تكاليف العلاج والعمليات التي أجريت لتصحيح الخطأ.
- قيمة الأدوية والمراجعات.
- الكسب الفائت: الرواتب التي خسرها المريض بسبب تعطله عن العمل.
التعويض المعنوي (الأدبي):
- مبلغ مالي يقدره القاضي مقابل الألم النفسي، الحزن، أو التشوه الجسدي الذي أصاب المريض وأثر على حالته النفسية والاجتماعية.
- الديات والأروش: في حال الوفاة أو فقدان عضو، يتم الحكم بالدية الشرعية بالإضافة للتعويضات الأخرى حسب الحال.
معلومة هامة: شركات التأمين حالياً ملزمة بتغطية الأطباء، مما يعني أن تحصيل مبلغ التعويض بعد صدور الحكم أصبح أسهل وأسرع من السابق لأن الدفع يكون غالباً عبر شركة التأمين.
رابعاً: دور المحامي في إنجاح القضية
قضايا الأخطاء الطبية من أعقد القضايا لأنها تجمع بين القانون والطب. المحامي المختص يقوم بالتالي:
- الاستشارة الطبية المسبقة: يعرض الملف على طبيب شرعي خاص قبل رفع القضية ليعرف نسبة النجاح وهل الخطأ واضح أم لا.
- تكييف الدعوى: يختار هل يرفع الدعوى على أساس “مسؤولية عقدية” أم “تقصيرية”، وهو تفصيل قانوني يؤثر في مدة التقادم وقيمة التعويض.
- مناقشة تقرير اللجنة: إذا جاء تقرير اللجنة الفنية ضدك، فالمحامي المحترف يعرف كيف يطعن فيه ويناقش الأطباء في اللجنة لإثبات تناقضهم (إن وجد).
- ملاحقة المستشفى والطبيب: يضمن اختصام المستشفى في الدعوى لضمان جهة مليئة مالياً للدفع.
خامساً: أسئلة شائعة (FAQ) حول القانون الأردني
س: هل يتم توقيف الطبيب في السجن فور رفع الشكوى؟
- ج: لا. المادة (13) من قانون المسؤولية الطبية الأردني تمنع توقيف الطبيب أثناء التحقيق أو المحاكمة (إلا في حالات نادرة جداً). العقوبة تنفذ فقط بعد صدور حكم قطعي ونهائي.
س: كم تستغرق القضية في المحاكم الأردنية؟
- ج: تختلف المدة، لكنها غالباً تتراوح بين سنة ونصف إلى 3 سنوات، نظراً لانتظار تقارير اللجان الطبية والخبراء وإجراءات التقاضي.
س: متى يسقط حقي في رفع القضية (التقادم)؟
- ج: في القضايا المدنية، يسقط الحق بمرور 3 سنوات من اليوم الذي علمت فيه بوقوع الضرر وبالشخص المسؤول عنه. ولا تسمع الدعوى بأي حال بعد مرور 15 سنة من تاريخ الفعل.
س: هل يمكنني رفع قضية إذا وقعت لي مضاعفات وقمت بالتوقيع على ورقة “الموافقة المستنيرة” قبل العملية؟
- ج: التوقيع على الموافقة لا يعفي الطبيب من المسؤولية إذا ارتكب “خطأً طبياً”. الموافقة هي على الإجراء والمضاعفات المحتملة، وليست موافقة على الإهمال أو الخطأ.
هل تفكر في الخطوة القادمة؟
إذا كنت تمتلك وثائق طبية وترغب في معرفة ما إذا كانت حالتك ترقى لتكون “خطأً طبياً” وفق القانون الأردني، فإن الخطوة الأولى هي ترتيب أوراقك زمنياً والحصول على استشارة مبدئية لتحديد ما إذا كان الملف يستحق عناء التقاضي أم لا.

