عدم اصدار إذن إشغال وحق المستأجر الأردني في الفسخ والتعويض

أزمة الصلاحية القانونية للمحلات التجارية المؤجرة: تفكيك حق المستأجر الأردني في إنهاء العقد واستعادة التكاليف المترتبة على عدم توفير إذن الإشغال

موقع القانون في الاردن
⚖️ تـَحتَ الضّوء
  • غالباً ما يُنظر إلى توقيع عقد الإيجار التجاري على أنه لحظة ميل لحلم جديد؛ هو العقد الذي يربط المستأجر بأرض أحلامه المهنية. لكن، في الأردن، هناك وثيقة بسيطة لكنها قوية تقف كحاجز بين الحلم والواقع: "إذن الإشغال". عندما يغيب هذا السند القانوني، يتحول هذا الحلم سريعاً إلى كابوس قانوني، ويجد المستأجر نفسه أمام جدران صلبة تمنعه من ممارسة حقه في الانتفاع المشروع. هنا، ينهض القانون ليؤكد على مبدأ العدالة: فحقك في التعويض ليس مجرد خيار، بل هو التزام قانوني على المالك الذي أخفق في تسليمك محلّاً صالحاً لا مادياً وحسب، بل وقانونياً أيضاً.

تلعب عقود الإيجار دوراً محورياً في تمكين النشاط التجاري والاقتصادي. يترتب على المؤجر (المالك) التزام أساسي بتسليم المأجور (المحل) في حالة صالحة للانتفاع المتفق عليه. ومع ذلك، يواجه العديد من المستأجرين في الأردن مشكلة جوهرية بعد التوقيع على العقد ودفع الأجور والبدء بالتجهيزات، وهي عدم تمكّن المالك من إصدار “إذن الإشغال” الرسمي للمحل.

إن إذن الإشغال ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو شرط قانوني جوهري بموجب قانون البناء وتنظيمه يُثبت أن المبنى أو جزء منه تم تشييده وفقاً للمواصفات الهندسية المرخصة وأصبح صالحاً للاستعمال المحدد (تجاري، مهني، صناعي). وبدونه، لا يمكن للمستأجر الحصول على ترخيص المهن اللازم لمزاولة نشاطه، ما يُبقي المحل غير صالح للاستغلال المشروع. يُعد هذا الوضع إخلالاً عقدياً جسيماً يمنح المستأجر حقوقاً واسعة في الفسخ والمطالبة بالتعويضات.

 

المحور الأول: الالتزام الجوهري للمالك والإخلال به

 

2.1. التزام المالك بتسليم مأجور صالح للانتفاع (قانونياً ومادياً)

 

تنص المادة (423) من القانون المدني الأردني على أن: “يلتزم المؤجر أن يسلم المستأجر المأجور وتوابعه في حالة تصلح للانتفاع الذي أُعد له وفقاً لما تم الاتفاق عليه أو لطبيعة المأجور.”

إن الصلاحية للانتفاع في العقارات التجارية لا تقتصر على الهيكل المادي للمحل وسلامة الأبواب  والنوافذ، بل تشمل بالضرورة الصلاحية القانونية. فالمحل المعد لغرض تجاري أو مهني، والذي يمنعه القانون من مزاوله النشاط فيه بسبب نقص وثيقة رسمية (كإذن الإشغال)، يُعتبر غير صالح للانتفاع الذي من أجله تم التعاقد.

 

2.2. الضمان ضد التعرض القانوني

 

يلتزم المالك بضمان عدم تعرض المستأجر في الانتفاع بالمأجور، ويشمل هذا الضمان التعرض القانوني الصادر عن الغير. يُعتبر رفض البلدية أو الجهة المختصة منح ترخيص المهن للمستأجر، أو التهديد بإغلاق المحل بسبب عدم وجود إذن الإشغال، تعرضاً قانونياً ناجماً عن خطأ أو تقصير المالك في الوفاء بالتزاماته تجاه الجهات الرسمية.

لذا، فإن عدم إذن الإشغال هو إخلال بالالتزام الجوهري بتوفير العين المؤجرة خالية من الموانع القانونية التي تحول دون تحقيق الغرض الأساسي من العقد.


 

المحور الثاني: الخيارات القانونية المتاحة للمستأجر

 

يجب على المستأجر التدرج في الإجراءات لضمان موقفه القانوني:

 

3.1. الإنذار العدلي: وثيقة إثبات الإعذار

 

قبل رفع أي دعوى، يجب على المستأجر توجيه إنذار عدلي رسمي للمالك عبر الكاتب العدل يتضمن الآتي:

  1. بيان الإخلال بالتفصيل (عدم وجود إذن الإشغال).
  2. المطالبة الصريحة بإصدار إذن الإشغال وتصحيح وضع المخالفات في مهلة محددة ومعقولة.
  3. التصريح بأنه في حال انقضاء المهلة دون حل، سيُعتبر العقد مفسوخاً حكماً، مع احتفاظ المستأجر بحقه في التعويض.

 

3.2. الخيار القضائي: دعوى فسخ العقد والمطالبة بالتعويض

 

إذا لم يستجب المالك للإنذار العدلي، يحق للمستأجر رفع دعوى قضائية يطالب فيها بما يلي:

  1. فسخ عقد الإيجار: بناءً على نظرية فسخ العقد للإخلال بالتزام جوهري من جانب المالك، مما يجعل الانتفاع بالمأجور مستحيلاً من الناحية القانونية.
  2. استرداد الأجور: الحكم بإلزام المالك برد جميع مبالغ الإيجار المدفوعة عن المدة التي لم يستطع المستأجر الانتفاع فيها فعلياً أو قانونياً.

 

المحور الثالث: التعويضات ومكونات الضرر القابلة للمطالبة

 

المطالبة بالتعويض هي حق أصيل للمستأجر المتضرر، حيث تنص المادة (363) من القانون المدني على أن “التعويض يُقدّر بالقدر الذي لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخير فيه.”

تشمل المطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة على عدم إذن الإشغال ما يلي:

 

4.1. الخسارة المادية المباشرة (ما لحق المستأجر من خسارة):

 

  • أجور الإيجار المدفوعة: وهي الأجور التي دفعت مقابل حق انتفاع لم يتحقق.
  • نفقات التجهيز والديكورات: التكاليف الباهظة التي أنفقها المستأجر لتجهيز المحل (بناءً على الفواتير والإيصالات) والتي أصبحت بلا فائدة بسبب فسخ العقد أو عدم التمكن من الانتفاع.
  • نفقات الرسوم الإدارية والتراخيص: المبالغ التي دفعت لرسوم البلدية أو الاستشارات الهندسية والقانونية ذات الصلة والتي لم تثمر.

 

4.2. الكسب الفائت (ما فاته من كسب):

 

  • الأرباح المتوقعة: التعويض عن الأرباح التي كان المستأجر سيكسبها لو كان قد بدأ عمله في الموعد المحدد، ويُقدّر هذا الجزء من التعويض من قبل المحكمة أو الخبراء بناءً على طبيعة النشاط وجدواه المتوقعة.
  • التعويض عن تعطيل العمل: التعويض عن الفترة الزمنية التي ضاعت على المستأجر وعطلت مشروعه بالكامل.

 

4.3. الضرر المعنوي:

 

يحق للمستأجر المطالبة بتعويض عن الضرر المعنوي والنفسي الذي لحق به نتيجة تعطيل مشروعه وجهده وضياع فرصته التجارية بسبب تقصير المالك.


 

الخلاصة والتوصيات

 

القانون الأردني يوفر حماية كافية للمستأجر في مواجهة إخلال المالك بالتزاماته. إن عدم توفر إذن الإشغال يُبطل الهدف الأساسي للعقد ويُنشئ للمستأجر حقاً لا يقبل الجدل في الفسخ والمطالبة الشاملة بالتعويض.

توصيات للمستأجرين:

  1. التدقيق المسبق: يجب على أي مستأجر تجاري الإصرار على رؤية نسخة من “إذن الإشغال” قبل التوقيع على العقد ودفع أي مبالغ.
  2. التوثيق الشامل: الاحتفاظ بجميع الفواتير والإيصالات الخاصة بالإيجار والتجهيزات والنفقات المتعلقة ببدء المشروع.
  3. الاستشارة القانونية: عدم اتخاذ أي خطوة لفسخ العقد أو الخروج من المحل دون استشارة محام متخصص لضمان سير الإجراءات القانونية بشكل سليم (كالإنذار العدلي) والحصولل على أقصى تعويض ممكن.
Share This Article
لا توجد تعليقات